"واشنطن بوست": تقرير يكشف تهرباً ضريبياً بقيمة 7.95 مليار دولار في قطاع الإكراميات
"واشنطن بوست": تقرير يكشف تهرباً ضريبياً بقيمة 7.95 مليار دولار في قطاع الإكراميات
كشفت وزارة الخزانة الأمريكية عن تهرب ضريبي واسع في قطاع الإكراميات، حيث تُقدَّر قيمة الدخل غير المُبلَّغ عنه بأكثر من 7.95 مليار دولار سنوياً، ووفقاً لتقرير صادر عن المفتش العام لإدارة الضرائب TIGTA، حددت السلطات ما يقرب من 2000 صاحب عمل يُعتقد أنهم يقدّمون إكراميات كبيرة للموظفين دون الإفصاح عنها، رغم وجود اتفاقيات مسبقة بينهم وبين مصلحة الضرائب.
وأُشير إلى وجود أكثر من 16000 جهة عمل أخرى ليس لديها أي اتفاقيات مع مصلحة الضرائب، وتُقدّر قيمة الإكراميات غير المُبلّغ عنها لديهم بما يزيد عن 6.3 مليار دولار، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، الاثنين.
يأتي ذلك في الوقت الذي أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي هذا الأسبوع قانون "عدم فرض ضريبة على الإكراميات"، وذلك بإجماع أعضائه، وسط احتفالات شعبية في ولاية نيفادا.
جاء هذا القانون استجابة لوعود انتخابية أطلقها كل من الرئيس دونالد ترامب ونائبة الرئيس السابق كامالا هاريس خلال حملتهما الرئاسية العام الماضي، حيث تعهدا بعدم إخضاع الإكراميات لأي ضريبة فدرالية.
يبدو أن هناك إجماعًا نادرًا من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على هذه الخطوة، التي تُعفي الحكومة الفيدرالية من فرض أي ضرائب على الإكراميات التي يتقاضاها العمال في قطاعات الخدمة، مثل المطاعم والحانات وخدمات التوصيل، ورغم هذا الإجماع، يظلّ التساؤل مطروحًا: ألا تُعدّ الإكراميات شكلاً من أشكال الدخل الذي يستوجب الخضوع للضريبة بموجب القانون الحالي؟
الاحتفاظ بسجل يومي
فرض القانون الفيدرالي على العاملين في قطاعات تقاضي الإكراميات الاحتفاظ بسجل يومي لمبالغ الإكراميات التي يتلقونها، والإبلاغ عنها لصاحب العمل في حال تجاوزت 20 دولاراً خلال شهر واحد.
ويُلزم صاحب العمل بعد ذلك بإدراج هذه المبالغ ضمن احتساب الاستقطاعات الضريبية المتعلقة بضريبة الدخل الفيدرالية، وضرائب الضمان الاجتماعي، وضرائب الرعاية الصحية.
تمثل الإكراميات جزءًا كبيرًا من الدخل الإجمالي لبعض الفئات المهنية، ففي عام 2018، أظهر مشروع قانون العمل الوطني أن الإكراميات تشكل ما نسبته 58.5% من متوسط دخل نُدل المطاعم، و54% من دخل نُدل الحانات، حيث بلغ متوسط الدخل الشهري الناتج عن الإكراميات للنُدُل والسُقاة نحو 867 دولاراً.
أما في مجالات أخرى مثل عروض الرقص، فأكّد مستشارون ضريبيون أن الإكراميات النقدية تُشكّل نسبة بارزة من دخل العاملين فيها.
جدل حول تعريف الإكراميات
جادل بعض السياسيين والناشطين بأن الإكراميات يجب أن تُصنّف كـ"هبات" لا كدخل، وبالتالي لا تخضع للضرائب، إلا أن مصلحة الضرائب الأمريكية تُعرّف الهدية بأنها "أي تحويل مالي إلى فرد، بشكل مباشر أو غير مباشر، دون مقابل كامل (مقاسًا بالنقود أو قيمتها الحقيقية)"، وتُعدّ معظم الهبات خاضعة للضريبة.
ورغم أن مصلحة الضرائب لا تُخصص موارد كبيرة لمراقبة مناسبات شخصية مثل أعياد الميلاد والمناسبات الدينية، فإن الأمر يختلف كلياً عند الحديث عن مصادر دخل ثابتة ومنتظمة كالإكراميات.
وأصدر زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، السيناتور تشارلز شومر عن نيويورك، بيانًا عقب التصويت قال فيه إن "الأمريكيين العاملين -من النُدُل إلى السقاة وسائقي التوصيل وغيرهم- يعملون بجدّ مقابل كل دولار، وهم من يستحقون الإعفاء، لا الأثرياء"، غير أن هذا التوجه في الإعفاء لا يشمل جميع العاملين في قطاع الخدمات بشكل منصف، إذ يستفيد منه بشكل أكبر العاملون في المطاعم الفاخرة، فيما لا يشمل أصحاب الدخول المنخفضة في الوجبات السريعة أو الأكشاك المتنقلة.
امتثال ضريبي ضعيف
أكد تقرير المفتش العام لوزارة الخزانة أن الامتثال الضريبي في قطاع الإكراميات يشهد ضعفًا كبيرًا، وبيّن التقرير أن بعض أصحاب العمل ممن لديهم اتفاقيات إكراميات مع مصلحة الضرائب لم يلتزموا بتلك الاتفاقيات، متسببين في إخفاء دخل إكراميات غير مُبلّغ عنه يُقدّر بـ1.65 مليار دولار.
كما رُصد وجود 16 ألف صاحب عمل آخر لا يملكون أي اتفاقيات مع المصلحة، لكنّ لديهم دخلًا غير مُبلّغ عنه تزيد قيمته على 6.3 مليار دولار.
وأظهرت دراسة أعدّها مختبر الميزانية في جامعة ييل أن أكثر من 37% من العمال الذين يتلقون إكراميات في عام 2022 لم يدفعوا ضريبة دخل فيدرالية، نظرًا لانخفاض دخولهم حتى قبل تطبيق أي إعفاءات ضريبية.
في المقابل، بلغت النسبة بين المهن التي لا تعتمد على الإكراميات نحو 16%، ويشير هذا إلى أن الإعفاء الضريبي الجديد قد لا يُحدث فرقًا حقيقيًا لشرائح واسعة من هؤلاء العاملين، ما يطرح تساؤلات حول الأهداف السياسية وراء القانون.
دوافع سياسية
يرى مراقبون أن الرئيس دونالد ترامب قد تبنّى هذه الفكرة لأسباب انتخابية، في محاولة لكسب أصوات ولاية نيفادا التي تُعدّ من الولايات المتأرجحة.
ويُقدّر مركز أبحاث الأعمال والاقتصاد بجامعة نيفادا في لاس فيغاس أن نحو 17% من العمال في الولاية يعتمدون على الإكراميات كمصدر رئيسي للدخل، وهي النسبة العليا على مستوى الولايات المتحدة.
وتبرز هذه النسبة بسبب الطابع السياحي للولاية، ووجود أعداد كبيرة من العاملين في الفنادق والكازينوهات والحانات، بما في ذلك الراقصات.
أما على المستوى الوطني، فتُقدّر نسبة الوظائف التي تعتمد على الإكراميات بنحو 2.5% فقط، ما يعني أن القانون يُخاطب فئة ضيقة نسبيًا من القوى العاملة، لكنه يُحقق مكاسب سياسية محددة.
منع التحايل على النظام الضريبي
تضمّن مشروع قانون مجلس الشيوخ بعض الضوابط لمنع التحايل على النظام الضريبي، منها أن يُطبَّق الإعفاء فقط على من لا يتجاوز دخلهم السنوي 160 ألف دولار، وأن يُعفى فقط أول 25 ألف دولار من الإكراميات التي يتقاضاها العامل.
تهدف هذه الإجراءات إلى الحيلولة دون استخدام القانون كوسيلة لإعادة تصنيف الدخل العادي كإكراميات للتهرب من الضرائب.
وقد يبدو القانون الجديد جذّابًا لنحو 4 ملايين أمريكي يُشكّل دخلهم من الإكراميات جزءًا رئيسيًا من قوتهم اليومي، لكن الجدل لا يزال قائمًا حول السبب الحقيقي لإقرار هذا الإعفاء، خصوصًا في ظل تحذيرات الجهات الرقابية من التلاعب الضريبي وتآكل العدالة الجبائية.